غزة-العلاقات العامة:
يعتبر موقع تل رفح الأثري من أهم المواقع الأثرية في مدينة رفح وأكبر التلال الموجودة في قطاع غزة حيث يقع جنوب مدينة رفح بشكل ملاصق للحدود المصرية
وعلى مساحة تزيد عن 150 دونم. وقد أكسبه موقعه الجغرافي قيمة تاريخية هامة على مر العصور بسبب وقوعه على ملتقى طرق عالمية بين قارة آسيا وإفريقيا
وكمركز ملتقى التجارة العالمية والمحلية بين فلسطين والدول المجاورة لها, لذلك فإن التل يحوي في باطنه مجموعات واعدة من القطع واللُقى الأثرية، وبقايا أطلال
معمارية لمباني كانت قائمة في منطقة التل. ونظراً لأهميته التاريخية والحضارية المميزة أولت وزارة السياحة والآثار اهتماما كبيراً لهذا التل.
حيث أوضح وزير السياحة والآثار أ.د محمد الأغا أن وزارته وضعت خطة شاملة للتنقيب في التل الأثري بهدف إبرازه وتحويله إلى مزار لجميع المواطنين والمهتمين للاطلاع على تاريخ وحضارة فلسطين.
وأكد الأغا أن مشروع التنقيب بدأ أواخر العام 2009 بإمكانات متواضعة حيث تم العمل به ضمن موسمين من التنقيب وقد سعت الوزارة إلى تحقيق العديد من الأهداف من أهما:
1- إنقاذ الآثار المُعرضة للتدمير في التل، والتي قام الاحتلال الصهيوني بتدمير أجزاء كبيرة منها وسرقتها طوال احتلاله لقطاع غزة.
2- استجلاء المظاهر الحضارية التي كانت متواجدة في موقع التل خلال عدة عصور حضارية مختلفة تعاقبت على المكان نفسه، لأن مثل هذا التل تتوفر فيه فرص وجود طبقات السكن المتتالية، مما يسهل توضيح تطور الحضارات في أزمان متعاقبة، فاختيار هذا الموقع استند إلى دراسة الآثار المبعثرة على سطح المكان في التل.
3- خـدمة الباحثين الأثريين في دراسة اللُقى الأثرية التي خلفتها الحضارات القديمة، والتي تواجدت في موقع التل.
4- إيجاد فرص عمل للعمال كسراً للبطالة التي أوجدها الاحتلال بفرضه الحصار على قطاع غزة.
من جانبه أشار د. محمد خلة مدير عام وزارة السياحة والآثار أن مشروع تنقيب موقع تل رفح بدأ بعد أن تم العثور على جرة فخارية كبيرة تحتوي على أكثر من 1200 قطعة نقدية مصنوعة من الفضة حيث كانت تلك الحادثة هي فاتحة للبدء بعملية التنقيب لافتاً إلى أنه وبالرغم من قلة الإمكانات المتاحة لدى الوزارة والحصار الخانق الذي فرضه العدو الصهيوني على قطاع غزة أدى إلى منع وصول مواد الترميم والأدوات والمعدات اللازمة للحفر الأثري إلا أن الوزارة استطاعت تحدي كل العقبات والبدء في الحفرية بالإمكانات المتاحة لديها.
واستعرض خلة أهم المراحل التي مر بها مشروع التنقيب:
أولاً: مرحلة دراسة الوضع الراهن للحفرية الأثرية:
حيث قامت دائرة الآثار وقسم الهندسة في الوزارة بإعداد مجموعة من الدراسات التحضيرية شملت الآتي:
1- مرحلة المسح الشامل حيث تم إجراء عملية مسح شاملة للتل وتحديد الرقعة الجغرافية المراد إجراء الحفرية الأثرية فيها وقد تم مسح كل وحدة منه ورسم خريطة متكاملة تشمل التل إضافة إلى الإطلاع على الكتب والمراجع العلمية، وخاصة الجغرافية والتاريخية منها، وما كتبه الرحالة والمؤرخون الذين زاروا رفح، وإعداد أبحاث تاريخية وعلمية موثقة تخص كل فترة تاريخية مرت بتاريخ رفح ومن ثم تم إعداد قائمة بأهم المواد واللوازم الخاصة بعملية الحفر والتجهيز للحفرية.
2- مرحلة الرفع الهندسي والمساحي للتل:
وقد قام فريق الهندسة بالوزارة وبالتعاون مع فريق المساحة بسلطة الأراضي بالعمل على رفع تل.
ثانياً: مرحلة إعداد المجسات الاختبارية:
قد أوضح خلة أن فريق أثري متخصص من الوزارة قام بإجراء مجموعة من الحفر الاختبارية أو المجسات في أرض تل رفح الأثري، وذلك في أماكن مختلفة منه، وكانت المجسات بأعماق تراوحت بين 2 متر – 3 متر، بعرض 1 متر، وقد تمكن الفريق الأثري من خلال هذا العمل، استكشاف طبقات التل الأثرية، المختلفة والمتتابعة، والتي دلت على وجود مبانِ أثرية كانت قائمة فوق التل، وتم استخدم هذه المجسات في البدء بمكان كل مربع للحفر الأثري.
وأضاف أنه وبعد دراسة شكل الطبقات الأثرية من خلال المجسات، تم التعرف على الطريقة التي يجب البدء في العمل من خلالها، وهي إتباع طريقة الطبقات ، وعلى ضوء ذلك قام فريق العمل الأثري في الموقع باتخاذ طريقة للحفر تمثلت بالحفر والتعمق داخل أرض الموقع بمستويات تراوحت من 10-20 سنتمتر ، وذلك بسبب طبيعة التربة الطينية الخاصة بالتل.
ومن ناحية أخرى استعرض أ. عبد الحميد أبو خديجة مدير مشروع تنقيب تل رفح أهم ما تم اكتشافه في التل خلال مراحل التنقيب المختلفة وهي على النحو التالي:
1- العثور على كمية كبيرة من العملات التي تعود للفترة اليونانية (332ق.م- 63ق.م)، وهي من الفضة بأحجام مختلفة على أحد وجهيها رسم بارز يصور وجه الإلهة أثينا اليونانية، تضع على رأسها إكليلاً من ورق الغار، والوجه الآخر يصور طائر البوم، الذي يرمز إلى الحكمة عند اليونان.
2- العثور على مجموعة هامة من نقود برونزية متوسطة الحجم، تحمل على أحد وجهي القطعة الواحد رأس ملك، والوجه الآخر يحمل صورة لحصان مجنح، وهي تعود للفترة اليونانية، وبعض آخر منها يحمل صورة لكلب البحر وبطة وعصفور.
3- العثور على مجموعة هامة أخرى من نقود برونزية مختلفة الأحجام، تحمل على أحد وجهيها رأس ملك يضع على رأسه إكليلاً من الغار يتجه برأسه ناحية اليمين، والوجه الآخر يحمل صورة لما كان يعرف بإله الحظ تيخانون تنظر لليسار مرتدية لباساً طويلا تحمل بيدها اليمنى سنبلتين من القمح واليد اليسرى ترتكز على رمح ويعتقد أنها تعود لسنة 40/41 ميلادية.
4- اكتشاف بقايا معمارية وجدران وبقايا أعمدة، تعود في الغالب لقصر كبير كان قائماً فوق التل خلال الفترة الرومانية، ومن خلال التحليل الأثري اتضح أن هذا القصر يعود لعائلة ثرية؛ ذات دخل اقتصادي مترفع، وذلك يدل على المكانة الهامة التي تمتعت بها مدينة رفح في ذلك الوقت.
5- العثور هون كبير الحجم من البازلت الأسود كان يستخدم لهرس الحبوب يعود للفترة الرومانية، وهو من النوع النادر.
6- العثور على مجموعة كبيرة من شقافات لأواني فخارية تعود للعصر الروماني، جاءت إلى رفح من الأناضول ، ومصر ، ولبنان، وجميعها ذات أهمية أثرية كبيرة تدل على ازدهار التجارة في رفح خلال الفترة الرومانية حيث دلت بعض اللقى الأثرية التي وُجدت في تل رفح خاصة الأواني الفخارية والشقافات المختلفة، والتي توضح بلا شك أن صناعة الفخار قد استمرت بمراحل متطورة ومزدهرة في رفح، وما العثور على كميات كبيرة من الفخار، وعلى فرن كان يستخدم لحرق الفخار بعد صناعته، إلا دليلاً على ذلك.
7- العثور على مجموعة من أسرجة الإضاءة على الطراز الروماني، وقد تميزت أسرجة الإضاءة بالحجم الصغير، كما تميزت بأنها صنعت بواسطة الدولاب ، و ظهر بوضوح مجموعة جميلة من النقوش النباتية والهندسية جميلة الشكل على بدن السراج، ويشير هذا النوع من الأسرجة بأنه كان يُستخدم من قِبَل ذووي الدخل الاقتصادي المرتفع من السكان الذين كانوا يسكنون التل خلال الفترة الرومانية.
أما ما تم انجازه خلال الموسم الثاني والذي بدأ قبل أربعة شهور فقد بين أبو خديجة أنه تم عمل التالي:
1- تنظيف الطبقة السطحية من النفايات وبقايا الأعشاب وإزالة الأتربة المتراكمة بطريقة أفقية وبعمق يتراوح بين ( 10،20 ) سم في كل مرة وملاحظة حدوث أي تغيير في لون التربة أو تركيبها.
2- الحفر بمستوى أفقي طبقة بعد طبقة، وملاحظة ظواهر كل منها بدقة متناهية.
3- متابعة ظهور أية أحجار أو قوالب والعمل على كشفها عند ظهورها بكل دقة وعناية لأن هذه البقايا إما أن تكون أحجار متناثرة أو أنها تكون جدار أو جزء من جدار.
4- جمع والتقاط الكسر الفخارية المتناثرة في الطبقات من اجل الفحص والتحليل لاستكمال كافة البيانات والدلائل اللازمة لدراسة الموقع.
5- تسجيل أوصاف كل لقيا بدقة وتصويرها قبل وأثناء وبعد رفعها من مكانها.
كما تنوعت أنواع الكسر الفخارية المختلفة والتي تم العثور عليها في موقع التل، وبعد معاينتها وفحصها تبين أنها جلبت من مناطق مجاورة لفلسطين، وهي تشير بوضوح إلى علاقات حضارية وتجارية واقتصادية مختلفة بين فلسطين والدول المجاورة لها، وكانت كالآتي:
أ / قطع فخارية جلبت من مصر، وهي بكل تأكيد كانت نتاجاً للقرب الجغرافي بين مصر وفلسطين، كما أنها نتاجاً للعلاقات الحضارية والتجارية بين رفح ومصر على طول الفترات التاريخية.
ب/ قطع فخارية جُلبت من الأناضول، وهي من القطع الأثرية النادرة، والتي جلبت عن طريق رحلات تجارية كان يقوم بها السكان عن طريق البحر، انطلاقاً من ميناء الأنثيدون في غزة ؛ والواقع بالتحديد شمال معسكر الشاطئ حالياً، ثم التوجه بعدها عن طريق الطرق البرية من غزة إلى رفح، حيث مدينة “رافيا “وقد كان هذا النوع من الأواني يستخدم في تخزين السوائل المختلفة.
وشرح أبو خديجة أهم مميزات الفخار الذي تم العثور عليه في تل رفح:
* فخار طينته تميل إلى الاخضرار ذو حواف مضخمة إلى الخارج، وهو يعود إلى فترة العصر الحديدي .
* فخار طينته حمراء وبنية فاتحة أو بني، وممزوج ببقايا معدنية صغيرة وحيدة الحرق.
* فخار طينته خشنة باللون البني المحمر قليلاً، لكنه جيد الحرق وممزوج ببقايا معدنية وهو غير جيد الصناعة، كان يستخدمه السكان ذوي الدخل الاقتصادي المحدود.
* مجموعة من بقايا أواني زجاجية ملونة ورقيقة ، تعود للفترة الرومانية، كانت تستخدم لوضع العطور والأدوية، وبعض السوائل ذات الاستخدام المتنوع.
* العثور على كمية كبيرة من قواقع بحرية كانت تستخدم لاستخراج اللون الأحمر الأرجواني منها، وهو من الألوان التي كانت غالية الثمن ويستخدمها ذوي الدخل الاقتصادي المرتفع من السكان، والتي كانت تُستخدم في الأصباغ، أو في بعض الوصفات الطبية.
العثور على بقايا تماثيل طينية صغيرة، ومجموعة من أدوات مختلفة من الطين المحروق.
ومنذ أن كان للإعلام دوره الرئيسي في نقل المعلومة ونشر الفكرة وتوعية الجماهير فقد سعت العلاقات العامة ومع بداية مشروع تنقيب تل رفح الأثري إلى العمل مع كل الجهات بهدف توثيق المشروع إعلاميا وزيادة الاهتمام الإعلامي بهذا الجانب الهام في ظل سيطرة الجانب السياسي على الإعلام الفلسطيني وقلة الوعي الثقافي لدى العديد من المواطنين بهذه المواقع.
وقد أوضح أ. أحمد عامر رئيس قسم العلاقات العامة إلى أنه تم العمل على طباعة وتوزيع العديد من المطويات والكتيبات المختلفة التي تساهم في زيادة الوعي الثقافي والأثري بهذه المواقع الأثرية مؤكداً أنه تم تنظيم العديد من الجولات والزيارات الميدانية لمختلف فئات الشعب الفلسطيني إلى مشروع التنقيب كان من أهمهم أعضاء المجلس التشريعي والإعلاميين العاملين في قطاع غزة والعديد من المؤسسات والتعليمية والثقافية المختلفة.
ولفت عامر إلى أن الجولات الميدانية كانت الأبلغ تعبيراً في نقل الصورة وفي اطلاع المواطنين على هذه القيمة التاريخية والذين أبدوا بدورهم إعجابهم وتقديرهم من وزارة السياحة والآثار وللوزير د. محمد الأغا وأعربوا عن شكرهم للعلاقات العامة التي أشرفت على تنظيم تلك الجولات ونقل الصورة بشكل متواصل.