عكفت وزارة السياحة والآثار منذ تأسيسها على النهوض بالواقع السياحي والأثري في فلسطين من خلال وضع خطة إستراتيجية لعشرة أعوام تهدف إلى إحداث تنمية سياحية مستدامة من خلال تنمية القطاع السياحي وتعظيم دوره الإنتاجي في دعم الاقتصاد الوطني بما يوفره من دخل وعائدات في صناعة السياحة التي تضم عشرات المهن والصناعات ومن خلال استثمار السياحة كمنبر إعلامي يوصل للعالم الخارجي البعد الحضاري والثقافي للشعب الفلسطيني إضافة إلى الحفاظ على المعالم الحضارية الأثرية من خلال إعادة تأهيلها وترميمها بما يتناسب مع قيمتها التاريخية ومن ثم تحويلها إلى مزارات للجمهور الفلسطيني والخارجي تظهر أصالة وتاريخ فلسطين حيث عُنيت إستراتيجية الوزارة بتعريف الجمهور الفلسطيني بالإرث التاريخي والحضاري لفلسطين، لإدراك أهمية تلك المواقع الأثرية والمحافظة عليها من الاندثار والتعديات، وكي يفخر أبناء فلسطين أن أرضهم التي يعيشون عليها ويتنسمون هوائها إنما هي أرض مقدسة لها تاريخ غائر في القِدَم، ومجد تليد شاهد على الحضارات الإنسانية التي مرت عليها منذ أقدم العصور.
وقد انقسمت مهام الوزارة في قطاعين رئيسيين هما القطاع السياحي والقطاع الأثري, أولاً بالنسبة لما يخص القطاع الأثري فمنذ أن كان للتاريخ والحضارة أهميتها فقد أولت وزارة السياحة والآثار اهتماماً خاصاً بالقطاع الأثري بهدف لفت الأنظار إلى هذا الجانب المهم في قضية الشعب الفلسطيني الذي بات يخوض معركة التاريخ والوجود مع الاحتلال الصهيوني حيث قامت بتنفيذ عدة مشاريع ترميم وتأهيل للعديد من المواقع والمعالم الأثرية في قطاع غزة ضمن خطها لتأهيل جميع المواقع الأثرية وتحويلها إلى مزارات تبرز الهوية التاريخية والحضارية للشعب الفلسطيني, وقد كان من أهم تلك المشاريع مشروع ترميم وتأهيل موقع الكنيسة البيزنطية بجباليا التي تعود إلى العام 444م حيث تم ترميم الأرضيات الفسيفسائية التي تتميز برسومها الفريدة من نوعها ومن ثم إنشاء مظلة علوية للكنيسة لحمايتها من العوامل الطبيعية المختلفة.
كما عملت الوزارة على ترميم موقع دير القديس هيلاريون الذي يعود إلى العام 329م ويعتبر أكبر دير أثري في منطقة الشرق الأوسط حيث تم تنفيذ عدة مراحل من مشروع إعادة تأهيل المكان وتحويله إلى مزار لجميع المواطنين وذلك بالتعاون مع الجامعة الإسلامية والمدرسة الفرنسية.
كما أولت الوزارة اهتماما لعدة مواقع أخرى مثل خان الأمير يونس المعروف باسم قلعة برقوق والذي يعود تاريخه إلى العام 1387م حيث تم استكمال بناء المئذنة التي تعرضت للقصب إبان الحرب العالمية الأولى وقد تم تنفيذ المشروع وفق ما أقرته عدة دراسات أثرية أجريت على الخان حيث تم استكمال المئذنة طبقاً لما كانت عليها قبل تدميرها.
وفي إطار السعي للتنقيب عن الآثار المندثرة والكشف عنها فقد بدأت الوزارة بمشروع تنقيب وتوثيق موقع تل رفح الأثري الذي يعتبر من أهم التلال الأثرية في فلسطين بعد أن تم اكتشاف أكثر من ألف قطعة فضية نقدية تعود إلى العهد الروماني حيث تم تنفيذ المشروع على عدة مراحل وما زال المشروع مستمراً, ففي ما يتعلق بالاكتشافات الخاصة بالمراحل السابقة فقد أوضحت لوزارة أنه تم اكتشاف عشرات اللقى والقطع الأثرية المختلفة التي تعود إلى عدة عصور ابتداءً بالعهد الكنعاني مروراً بالعهد الروماني والبيزنطي حيث وزعت المكتشفات ما بين جرار وأطباق فخارية وقطع لأرضيات فسيفسائية وقطع نقدية متنوعة إضافة إلى العديد من الأدوات المنزلية المختلفة. كما تم الكشف عن عدة أعمدة أثرية إضافة إلى بعض الجدران والأرضيات.
وفي إطار السعي لتوثيق وتسجيل القطع الأثرية فقد بدأت وزارة السياحة والآثار مشروع توثيق وتسجيل جميع القطع الأثرية الموجودة في قطاع غزة في سجل إلكتروني خاص مرفق بصور وبيانات كل قطعة حيث يقدر عددها بآلاف القطع الأثرية المتنوعة وذلك بهدف الحفاظ عليها.
وفي حدث يعتبر الأول من نوعه فقد قامت الوزارة بترميم وافتتاح متحف قصر الباشا بداية عام 2009م والذي يعتبر أول متحف حكومي في قطاع غزة يضم بين جنباته العديد من القطع الأثرية المميزة التي تعود لآلاف السنين وتحمل في ثناياها تاريخ وحضارة الشعب الفلسطيني, وفي عام 2010م تم تنفيذ مشروع إعادة تأهيل بوابة متحف قصر الباشا، والسور الخارجي للمبنى بما يتلاءم مع الطابع الأثري والتاريخي للمكان باعتباره أحد أهم المباني الأثرية القائمة في البلدة القديمة في غزة والذي يعود تاريخه إلى العام 1260م.
أما فيما يتعلق بنشاطات التوعية والتثقيف فقد تم تنظيم واستضافة أكثر من 800 جولة مختلفة على المواقع الأثرية المنتشرة في قطاع غزة حيث بلغ إجمال عدد الزوار لجميع المواقع الأثرية ابتداءً من العام 2008 وحتى منتصف عام 2012م وفق إحصائية أجرتها الوزارة هو أكثر من 313 ألف زائر موزعين ما بين طلاب المدارس والجامعات والمؤسسات المختلفة والوفود الخارجية والمواطنين العاديين.
ونظراً لضعف الوعي بالآثار التاريخية الموجودة في قطاع غزة فقد عملت الوزارة على طباعة العديد من المطبوعات والبروشورات التثقيفية كان من أهمها العمل على إصدار كتاب عن المواقع الأثرية تحت إسم الدليل الأثري للمواقع الأثرية في قطاع غزة حيث تم شمل الكتاب على جميع المعلومات المتعلقة بتلك المواقع إضافة إلى الصور التفصيلية وخريطة للمواقع الأثرية إضافة إلى العديد من المعلومات الهامة ويجري العمل على طباعته.
ثانياً ما يخص القطاع السياحي الذي تأثر بشكل مباشر نتيجة الظروف المختلفة التي مرت بقطاع غزة كان من أهمها الحرب الصهيوني التي شنها الاحتلال نهاية عام 2008م والتي كبدت القطاع السياحي خسائر مباشرة وغير مباشرة إضافة إلى قصف وتدمير العديد من المنشآت السياحية بشكل مباشر وعدم السماح بدخول المواد اللازمة لإعادة بنائها وإصلاحها، وما يفرضه الحصار الخانق وإغلاق المعابر والذي من شأنه عرقلة السياحة والوصول بها لحالة الشلل التام, لذا فقد عملت الوزارة على الوقوف بجانب أصحاب المنشآت السياحية ومساندتهم حيث قامت بتوزيع تعويضات عاجلة لأصحاب تلك المنشآت بلغت قيمتها 150 ألف دولار.
وقد عملت الوزارة على تنظيم زيارات دورية للمنشآت السياحي للوقوف عند احتياجاتهم والاطلاع على أهم المعوقات التي تواجههم بهدف المساهمة في مساندتهم بالتوجيهات اللازمة, كما قامت الوزارة بتنظيم العديد من ورشات العمل والندوات الخاصة بمناقشة واقع القطاع السياحي إضافة إلى تنظيم يوم دراسي بالتعاون مع جامعة الأقصى يتناول واقع السياحة في غزة والذي ساهم بوضع توجيهات وخطط للنهوض بهذا القطاع.
وقد انعكست جهود الوزارة للنهوض بالواقع السياحي بشكل مباشر على حالة السياحة الداخلية في قطاع غزة حيث شهدت الأعوام الثلاثة الماضية مرحلة نهوض سياحي غير مسبوقة حيث تم إنشاء وافتتاح أكثر من 119 منشأة سياحية موزعة ما بين منتجعات سياحية وفنادق وحدائق حيوان ومدن ملاهي ومطاعم. ولأهمية المنتج المحلي عملت الوزارة على المشاركة وتنظيم معارض للمنتجات الوطنية بهدف إبراز وتسليط الضوء على الصناعات السياحية المتميزة في غزة والتي تشكل الهوية الفلسطينية وإضفاء الطابع السياحي عليها وجعلها علامة مميزة لغزة سياحياً.
وفي إطار تأمين استمرار عمل المنشآت السياحية بما يخدم الجمهور الفلسطيني فقد قامت وزارة السياحة بمساندة أصحاب تلك المنشآت خلال أزمة انقطاع الوقود المتكرر في قطاع غزة حيث تم توزيع أكثر من 100 ألف لتر من المحروقات على عشرات المنشآت السياحية الهامة.
وقد واجهت الوزارة خلال عملها العديد من الصعوبات والتحديات كان من أهمها الحصار المفروض على غزة والذي أصاب حركة السياحة بحالة من الشلل كما عانت الوزارة من قلة المعدات والأجهزة اللازمة لتنفيذ عمليات التنقيب والترميم للمواقع الأثرية والحفاظ عليها نهيك عن قلة وعي المواطنين بالمواقع الأثرية والذي شكل تحدياً أمام الوزارة إلا أنه وبعد خمسة أعوام من العطاء فقد شهدت السياحة الداخلية نهوضاً ملحوظاً بنسبة 19.5% وتم تنفيذ أكثر من عشر مشاريع ترميم وإعادة تأهيل لمواقع أثرية كما زادت نسبة إقبال المواطنين للتعرف والإطلاع على تاريخهم وحضارتهم الأصيلة وما زلت مسيرة العطاء مستمرة.